الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا القائل: "أكثروا من ذكر هادم1 اللذات"، الموت، مفرق الجماعات، وميتم البنين والبنات، ومؤيم الأزواج والزوجات، وقاطع الأعمال الصالحات، المقرب إلى العرصات2، المجرع للحسرات، الناقل من البيوت والقصور إلى القبور الموحشات، المفجع للأهل والقرابات، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم في الخيرات.
من العجيب الغريب أن كثيراً من الناس لا يذكرون الموت ولا يحبون أن يذكَّروا به، ومنهم من يتشاءم بمن يذكره بذلك، وينبهه لما هنالك، كأنما كتب الموت على غيرهم، ونسوا أوتناسوا أن الأحياء جميعاً هم أبناء الموتى، وذراري الهلكى، أين الآباء والأجداد؟ بل أين بعض الأبناء، والازواج، والأقارب، والجيران، والأحفاد؟
ما منا من أحد إلا ومعه أصل شهادة وفاته، فقد نعى الله إلينا رسولنا، ونعانا إلى أنفسنا، فقال: "إنك ميت وإنهم ميتون"، وما يستخرج من شهادة بعد الوفاة إنما هي صورة طبق الأصل لما سجله الملائكة للعبد وهو في رحم أمه، ورحم الله ابن الجوزي حين قال في قول الله عز وجل: "كل من عليها فان": (هذا والله توقيع بخراب الدنيا)، إي وربي، إنه توقيع وأي توقيع! ليس فيه تزوير، لا يقبل المراجعة، ولا تجدي فيه الشفاعة.
فالموت لا يميز بين صغير وكبير، ولا صحيح وسقيم، ولا غني وفقير، ولا أمير ووزير وغفير، ولا عالم ولا جاهل،ولا بر ولا فاجر: "إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون".
إذا أردت الخـلاص من هذه الأدواء المضلـة المذلـة فعليك بوصيـة رسـولك صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حيث قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب، أوعابر سبيل".
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، خذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحارث بن مالك الأنصاري عندما سأله: كيف أصبحتَ؟ فقال: أصبحتُ مؤمناً حقاً؛ فقال له: لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأقمتُ ليلي وأظمأتُ نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها؛ قال له: يا حارث، عرفتَ فالزم، عرفتَ فالزم، عرفتَ فالزم".
Monday, February 23, 2009
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment