Thursday, May 8, 2008

من المقـامـات: مقـامَـة السعـادة

مقـامَـة السعـادة

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
دع الأيام تفعل ما تشاء
ولا تجزع لحادثة الليالي
وطب نفساً إذا حكم القضاء
فما لحوادث الدنيا بقاء
*******
قال الراوي: جاءنا رجل مهموم، قد أنهكته الغموم، فهو من الحزن مكظوم، فقال : أيها الناس، حل بنا البأس، وذهب منا السرور والإيناس، وتفرد بنا الشيطان، فأسقانا حميم الأحزان، فهل منكم رجل رشيد، رأيه سديد، يصرف عنا هذا العذاب الشديد
فقام شيخ منا، ينوب عنا، وهو أكبرنا سنا، فقال: أيها الرجل الغريب، شأنك عجيب، تشكوا الهم والوصب، والغم والنصب، وأراك لم يبق منك إلا العصب، أما تدعوا الرحمن، أما تقرأ القرآن، فإنه يذهب الأحزان، ويطرد الوحشة عن الإنسان
ثم اعلم وافهم، لتسعد وتسلم، إن من أعظم الأمور، في جلب السرور، الرضا بالمقدور، واجتناب المحذور، فلا تأسف على ما فات، فقد مات، ولو أنه كنوز من الذهب والجنيهات، واترك المستقبل حتى يقبل، ولا تحمل همه وتنقل، ولا تهتم بكلام الحساد، فلا يحسد إلا من ساد، وحظي بالإسعاد
وعليك بالأذكار، فيها تحفظ الأعمار، وتدفع الأشرار، وهي أُنس الأبرار، وبهجة الأخيار، وعليك بالقناعة، فإنها أربح بضاعة، واملأ قلبك بالصدق، واشغل نفسك بالحق، وإلا شغلتك بالباطل، وأصبحت كالعاطل، وفكر في نعم الله عليك، وكيف ساقها إليك، من صحة في بدن، وأمن في وطن، وراحة في سكن، ومواهب وفطن، مع ما صرف من المحن، وسلم من الفتن
واسأل نفسك في النعم التي بين يديك، هل تريد كنوز الدنيا في عينيك؟ أو أموال قارون في يديك؟ أو قصور الزهراء في رجليك؟ أو حدائق دمشق في أذنيك؟ وهل تشتري ملك كسرى بأنفك ولسانك وفيك، مع نعمة الإسلام، ومعرفتك للحلال والحرام، وطاعتك للملك العلام، ثم أعطاك مالاً ممدودا، وبنين شهودا، ومهّد لك تمهيدا، وقد كنت وحيدا فريدا . واذكر نعمة الغذاء والماء والهواء، والدواء والكساء، والضياء والهناء مع صرف البلاء، ودفع الشقاء
*******
افرح بما جرى عليك من أقدار، فأنت لا تعرف ما فيها من الأسرار، فقابل النعمة بالشكر، وقابل البلية بالصبر
وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، واغفر لكل من قصّر في حقك وأساء، واغسل قلبك سبعاً من الأضغان، وعفّره الثامنة بالغفران، وانهمك في العمل، فإنه يطرد الملل
واحمد ربك على العافية، والعيشة الكافية، والساعة الصافية، فكم في الأرض من وحيد وشريد، وطريد وفقيد، وكم في الأرض من رجل غلب، ومال سلب، وملكه نهب، وكم من مسجون، ومغبون ومديون، ومفتون ومجنون، وكم من سقيم، وعقيم ويتيم، ومن يلازمه الغريم، والمرض الأليم
واعلم أن الحياة غرفة بمفتاح، تصفقها الرياح، لا صخب فيها ولا صياح، وهي كما قال ابن فارس
ماء وخبز وظل
ذاك النعيم الأجل
كفرت نعمة ربي
إن قلت إني مقل
*******
اعلم أن لكل باب من الهم مفتاح من السرور، للذنب رب غفور، والفلك يدور، وأنت لا تدري بعواقب الأمور، وملك كسرى تغني عنه كسرة، ويكفي من البحر قطرة، فلا تذهب نفسك على الدنيا حسرة
ولا تتوقع الحوادث، ولا تنتظر الكوارث، ولا تحرم نفسك لتجمع للوارث، ويغنيك عن الدنيا مصحف شريف، وبيت لطيف، ومتاع خفيف، وكوز ماء ورغيف، وثوب نظيف
العزلة مملكة الأفكار، والدواء كل الدواء في صيدلية الأذكار، وإذا أصبحت طائعاً لربك، وغناك في قلبك، وأنت آمن في سربك، راضٍ بكسبك، فقد حصلت على السعادة، ونلت الزيادة، وبلغت السيادة
واعلم أن الدنيا خداعة، لا تساوي همّ ساعة، فاجعلها طاعة
فلما انتهى من وعظه، أعجب بلفظه، وحسن لحظه، وقال له: جزاك الله عني أفضل الجزاء، فقد صار كلامك عندي أشرف العزاء
*******

Friday, May 2, 2008

حوار شيّق

حوار شيّق

مر مجنون على عابد يناجي ربه وهو يبكي والدموع منهمرة على خديه وهو يقول
ربي لا تدخلني النار فارحمني وأرفق بي ..
يا رحيم يا رحمان لا تعذبني بالنار .
إني ضعيف فلا قوة لي على تحمل النار فارحمني ..
وجلدي رقيق لا يستطيع تحمل حرارة النار فارحمني ..
وعظمي دقيق لا يقوى على شدة النار فارحمني ..

ضحك المجنون بصوت مرتفع فالتفت إليه العابد قائلاً
ماذا يضحكك أيها المجنون ؟؟
قال كلامك أضحكني ..
وماذا يضحكك فيه ؟
لأنك تبكي خوفا من النار .
قال وأنت ألا تخاف من النار ؟؟
قال المجون : لا. لا أخاف من النار ..
ضحك العابد وقال صحيح أنك مجنون ..
قال المجنون : كيف تخاف من النار أيها العابد وعندك رب رحيم رحمته وسعت كل شيء ؟
قال العابد : إن علي ذنوبا لو يؤاخذني الله بعدله لأدخلني النار وإني ابكي كي يرحمني ويغفر لي ولا يحاسبني بعدله بل بفضله ولطفه ورحمته حتى لا أدخل النار ؟؟
هنالك ضحك ال مجنون بصوت أعلى من المرة السابقة ..
انزعج العابد وقال ما يضحكك ؟؟

قال أيها العابد عندك رب عادل لا يجور وتخاف عدله ؟
عندك رب غفور رحيم تواب وتخاف ناره ؟؟
قال العابد ألا تخاف من الله أيها المجنون؟
قال المجنون بلى , إني أخاف الله ولكن خوفي ليس من ناره ...
تعجب العابد وقال إذا لم يكن من ناره فمما خوفك ؟؟
قال المجنون إني أخاف من مواجهة ربي وسؤاله لي :

لماذا يا عبدي عصيتني ؟؟

فإن كنت من أهل النار فأتمنى أن يدخلني النار من غير أن يسألني فعذاب النار أهون عندي من سؤاله سبحانه .
فأنا لا أستطيع أن أنظر إليه بعين خائنه وأجيبه بلسان كاذب ...
إن كان دخولي النار يرضي حبيبي فلا بأس ..
تعجب العابد واخذ يفكر في كلام هذا المجنو ن ..
قال المجنون : أيها العابد سأقول لك سر فلا تذيعه لأحد ..
ما هو هذا السر أيها المجنون العاقل ؟
أيها العابد إن ربي لن يدخلني النار أتدري لماذا ؟؟
لماذا يا مجنون ؟
لأني عبدته حباً وشوقاً وأنت يا عابد عبدته خوفا وطمعاً ...
وظني به أفضل من ظنك ورجاءي منه أفضل من رجاءك فكن أيها العابد لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو!. فموسى عليه السلام ذهب لإحضار جذوة من النار ليتدفىء بها فرجع بالنبوة ..

وأنا ذهبت لأرى جمال ربي فرجعت مجنونا ً

ذهب المجنون يضحك والعابد يبكي ...... ويقول لا اصدق أن هذا مجنون فهذا أعقل العقلاء وأنا المجنون الحقيقي فسوف اكتب كلامه بالدموووووووع ..

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو!.. فإن موسى بن عمران خرج يقتبس لأهله نارا، فكلّمه الله تعالى فرجع نبيّا.. وخرجت ملكة سبأ كافرة، فأسلمت مع سليمان.. وخرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون، فرجعوا مؤمنين..

إلهي كيف أنساك ولم تزل ذاكري ؟؟ وكيف ألهو عنك وأنت مراقبي ؟؟؟