Thursday, June 16, 2011

أمسك لسانك أفضل لك!!

اضطر أحد فقهاء اللغة يوما لأن يقضي حاجة على الشاطئ الآخر من مدينته عابرا النهر الذي يقسم المدينة إلى جزأين، وليتجاوز هذا الممر المائي كان عليه أن يركب أحد القوارب الصغيرة مع مراكبي بسيط، ولأن الفقيه اللغوي كان يرى نفسه صاحب علم فقد كانت ملامحه تنمّ عن ضجر وبعض الاشمئزاز من ذلك المركب الصغير، ومن صاحبه بسيط الحال.

وزاد من استياء الرجل أنه شعر أن المراكبي لم يتعرف عليه ولم يعامله المعاملة التي يستحق من وجهة نظره، فقال في تكبّر: ألا تعرفني يا رجل؟

فنظر إليه المراكبي وهو يحاول أن يتذكر أين رآه، ولما فشل في ذلك قال في أدب: اعذرني يا سيدي فهناك الكثير من الناس يركبون معي يوميا.

فنظر له الفقيه بغيظ، ولكنه أخفى غيظه عن صوته، وقال: أنا لم أركب قاربك من قبل؛ فأنا قليل الابتعاد عن البلدة؛ لانشغالي في التدريس بالجامعة، ولكن يبدو أنك لا تعرف الكثير عن الجامعة، وربما لم تزرها من قبل، وإلا كنت عرفت أني فلان الفلاني الفقيه والعالم اللغوي المرموق!!

احمرّ وجه المراكبي خجلا قبل أن يقول في بشاشة: مرة أخرى أكرر اعتذاري لجهلي بك يا سيدي، لقد شرّفتني وشرّفت مركبي بصحبتي في هذه الرحلة.

فقال الرجل بتواضع مزيّف يفوح منه الغرور: لا عليك أيها المراكبي البسيط.. لا عليك.

وبعد أن قدّم المراكبي بعض قطع الحلوى التي كان يملكها لهذا الضيف المرموق جلس في طرف المركب يوجّه دفته للشاطئ الآخر، ومركبه يسير ببطء وتأنٍّ.

غرور عالم
لكن العالِم أحسّ أن الرجل لا يعرف قيمة ضيفه، فأراد أن يعرّفه قيمته، فناداه قائلا: قل لي أيها المراكبي البسيط، هل قرأت يوما في الشعر الجاهلي، وحفظت المعلقات، وهضمت شعر عنترة وامرئ القيس؟!

فنظر له الرجل وهو يحاول تذكّر الأسماء، وقال في براءة: لا والله يا سيدي.

فرد الفقيه في زهو: حسرة عليك يا أيها المراكبي البسيط، لقد ضاع نصف عمرك!!

وبعد قليل عاد الفقيه لممارسة دور العالم الكبير على الرجل البسيط، فقال له: أتراك إذن قد درست المناظرة العامرة بين الكسائي وسيبويه في المسألة الزنبورية؟!

فغر الرجل فاه تعجبا مما يسمعه، وقال في تلعثم: مع الأسف لا يا سيدي.

فقال الفقيه في عجب: حسرة عليك يا أيها الرجل، لقد ضاع نصف عمرك!!

ولم يمر وقت طويل حتى عاد إلى أسئلته، وقال: ولكني أعتقد أنك وضعت يدك على المقاصد اللغوية عند جرير والفرزدق، وما يميز أحدهما عن الآخر في هذا المجال؟!

فردّ الرجل وقد بدأ يسأم هذه اللعبة، وقال: لا يا سيدي لم أسمع بها.

فردّ الرجل وهو يشعر بأنه قد أصاب مقصده: حسرة عليك أيها المراكبي البسيط، لقد ضاع نصف عمرك!!


حيلة المراكبي
كتم الرجل غيظه وعاد لمواصلة عمله، وقبل أن يصل المركب إلى الشاطئ الأخر بقليل هبّت بعض الرياح غير المواتية، فاهتزّ المركب الصغير تأثرا بها، فانزعج الشيخ العالم، وقال في توتر: ما هذا؟

وهنا التقط المراكبي طرف الخيط، وأراد أن يعلّم العالم الكبير درسا لا ينساه، فقال: إنها رياح خفيفة.

فتنهّد الرجل وجلس مكانه، وقبل أن تعود ملامحه إلى طبيعتها فؤجئ بالرجل يواصل كلامه ويقول: ولكن هبوب هذه الرياح معناه أن هناك عاضفة قوية في الطريق، وربما كانت إعصارا لا يُبقي ولا يذر، يقلب القوارب الضخمة، ويطيح بالسفن الفخمة.

فأرتعب العالِم وقال في تلعثم: وماذا سيحدث لنا حينئذ؟

فأجابه: لا تقلق سنسبح حتى الشاطئ الآخر.

فقال العالِم في ذعر: نسبح؟!!

فأجابه المراكبي في تعجّب مصطنع مقلدا أسلوب العالم في أسئلته السابقة: ألا تجيد السباحة؟!

فردّ: لا.

فأجابه المراكبي: واحسرتاه .. لقد ضاع عمرك كله!!

وبالطبع لم يضع عمر الرجل؛ لأن النهر الصغير لا توجد به مثل هذه العواصف أو الأعاصير، ولكن الفقيه اللغوي الذي ظن أنه يحقّ له أن يُطلق لسانه كيفما شاء، وأن يتباهى بما يعرف أدرك أنه يجهل الكثير، وأنه يخسر الكثير من احترام الآخرين، وربما اكتسب عداوتهم إذا لم يحسن استخدام لسانه.

لقد تعلّم الشيخ من المراكبي الكثير بعد هذه الرحلة القصيرة، وهو يكاد يدعونا إلى أن نتعلم كيف نمسك ألسنتنا قبل أن تلقي بنا في التهلكة.

فكم مرة تسرعنا فيها بالنطق عندما كان علينا الصمت.. وكم مرة آثرنا حقد الآخرين علينا بسبب كلمة زهو أو عجب حتى وإن كنا نستحقها.. وكم مرة لم نُشعر الآخرين بقيمتهم، وعوضا عن ذلك أوصلنا لهم أننا لا نحترمهم، حتى لو كنا لم نقصد هذا بالفعل ولكن خانتنا كلماتنا؟!

فيا عزيزي القارئ.. أيهما تفضّل أن تمسك لسانك وتمنعه أن يتحرك في غير موضعه أم تتعلم السباحة؟!

السعادة دائماً حولنا والنبيه وحده من يراها

حينما كان الأب منهمكاً في قراءة صحيفته اليومية، أخذت خطوات صغيرة هادئة تقترب منه في تردد؛ لكنه لم ينتبه إليها إلا حين استمع إلى صوت نَفَس مضطرب يصاحبها، ودون أن يحوّل عينيه عن صحيفته قال بصوت يمتزج فيه الحنان والمزاح معاً: ما بك؟ ماذا تريد؟

لكنه ما إن استمع إلى صوت محدثه حتى ألقى الصحيفة من يده، ونظر إليه مهتماً؛ فقد جاءه الصوت حزيناً لأقصى درجة، وقد خالطته رنة بكاء مكتومة، وهو يقول: بابا.

نظر الأب إلى طفله ذي الأعوام الخمسة؛ فوجد عينيه مغرورقتين بالدموع، وقد زمّ شفتيه زماً شديداً، يبدو لمن يراهما عن بعد أنهما قُلبتا فصار باطنهما لظاهرهما؛ فحمله مسرعاً وأجلسه على رجله، واحتضنه، وهو يقول: لماذا يبكي البطل؟ من أغضبك؟ ماذا حدث؟

وهنا تتقافز الدموع من عيني الصغير، وهو يقول: أنا حزين.

حزين؟!

خرجت تلك الكلمة من الأب تحمل من السخرية والدهشة أكثر مما تحمل من التساؤل الحقيقي عن سبب الحزن؛ لكنه ينتبه سريعاً فيُردف ببعض الكلمات في محاولة منه لإخفاء هذا الشعور الذي لا يتناسب مع موقف صغيره، ولا يحترم مشاعره: ولماذا أنت حزين؟ لماذا لا تلعب مع إخوتك؟

وهنا يفجّر هذا الصغير مفاجأة تُذهل الأب وتشغل تفكيره؛ بل ربما تشغل تفكيرنا نحن أيضاً؛ إذ قال: لا أشعر بالسعادة، أريد أن أكون سعيداً، ولا أعرف كيف تتحقق تلك السعادة في اللعب مع إخوتي؟ كلما حاولت أن أبحث عن السعادة في شيء لا أجدها كما أتوقعها، ولا أشعر بها كما أتخيلها.. أنا حزين يا أبي.. حزين.

ارتفع حاجبا الأب بصورة لم يعهدها وجهه من قبل، واتسعت حدقتا عينه؛ فهو يسمع من صغيره كلمات لو أطلقها أحد كبار المفكرين في قاعة تغصّ بالمتابعين لضجّت تلك القاعة بالتصفيق؛ لقدرته على التعبير عما يشعر به الكثيرون في حياتهم.

لكن التصفيق الآن لا يفيد، فعليه أن يفعل شيئاً من أجل صغيره، عليه أن يضع حلاً لطفله حتى وإن كان هذا الحل لا يناسبه هو نفسه، أو لا يستطيع أن يطبقه في حياته.

ضمّ الأب ابنه إلى صدره وقد أسند رأسه الكبير على شعره الناعم وهو يقول: يا بني السعادة ليست نقطة في الحياة نصل إليها، ولا يوجد طريق اسمه طريق السعادة، هي حالة تلازمك في كل شيء إن انتبهت إليها؛ فلو كنت تلعب مع إخوتك وأصدقائك وأنت تفكر في السعادة على أنها هدف تريد الوصول إليها، فلن تصل إليها، ولن تشعر بها، أما إن كنت تلعب معهم وأنت تتلمس السعادة في هذا اللعب، فستشعر وقتها بقمة السعادة.

يا بني.. تلمّس السعادة في كل شيء حولك، وفي كل فعل تفعله في حياتك، في لعبك وجدّك، في طعامك وشرابك، في علاقتك بأبيك وأمك وإخوتك، تلمّسها حتى أثناء تعبك، وصدقني ستجدها في كل مكان تلمستها فيه؛ فالسعادة هي في البحث عن السعادة في كل شيء نفعله، إن أردت أن تكون سعيداً فلتأخذ القرار بهذا، ولتبدأ في تنفيذه، وستجد في كل لفتة من لفتات حياتك ما يؤيد هذا القرار ويؤكده.

وهنا يرفع الصغير رأسه وينظر في عيني أبيه ببراءة وطفولة، ويقول: لكني أفعل هذا يا أبي، أبحث عن السعادة في كل شيء؛ فلا أجدها!!

فيبتسم الأب ويداعب خصلات شعر ابنه في حنان وهو يقول: أنت تبحث عن شعور مختلف يا ولدي، أنت تبحث عن شيء لا تعرف شكله ولا طعمه ولا لونه، تبحث عن شيء تجهله تماماً، وكلما ظهر واضحاً أمامك أنكرته لأنك لا تصدق أن السعادة التي يتحدث الناس جميعاً عنها ويتكلمون عن صعوبة الحصول عليها، هي أيسر ما يكون؛ بل هي في متناول يدك بالفعل.

يا ولدي من يبحث عن السعادة ويحسبها شعوراً آخر جديداً غير ما أَلِفه البشر؛ فهو يبحث عن وهم لن يصل إليه، أما من يعرف حقيقتها؛ فهو يعرف أنها توجد في كل لحظة من لحظات حياته؛ فهي في عبادته لربه وأداء ما افترضه عليه، وفي علاقاته بالآخرين؛ فلا يشعر أنه واحد فرد في هذه الحياة، وفي عمله وما ينتجه من خير لنفسه وللناس جميعاً، وقبل كل ذلك وبعده، في شعوره بالرضا والاطمئنان والهدوء؛ لأنه يعلم أنه لن يحدث له في دنياه وحياته إلا ما كتبه الله له أو عليه، ويعلم أن كل ما يحدث له فهو خير، صدقني يا ولدي، وقتها سيشعر هذا الإنسان بالسعادة حتى في المصائب التي تصيبه؛ فهو يعلم أنها ما كانت لتصيبه إلا لخير يعد ويهيأ له..

اذهب يا ولدي والعب مع إخوتك وأنت تشعر بداية بالسعادة، واسأل نفسك: هل كنت تشعر بالأمان والسكينة وأنت ساكن في حضن أبيك؟ إن كانت إجابتك بـ"نعم"؛ فحتماً كنت سعيداً وقتها؛ على الرغم من بكائك واضطرابك، وستجد أنك كنت تستمع بهذه اللحظات من حياتك؛ فانطلق ولوّن حياتك بضحكاتك، وارسم فيها من أشكال السعادة ألواناً وألواناً؛ فهي إرادتك أن تكون سعيداً.

اتعامل مع وقتك صح

نبدأ معكم أول أجزاء هذه السلسلة التي تتناول مفهوم الوقت وحسن استغلاله والتفاعل معه، واستثماره بأقصى طاقة ممكنة، وكيفية إيقاف استنزاف الوقت وإهداره جراء سوء تعاملنا معه أو تعاملنا مع الآخرين.


لن نتحدث بطريقة فلسفية عن الوقت، ولن نعيد الأسطوانات المحفوظة من الأقوال المأثورة والأشعار والحِكم عن الوقت وقيمته؛ فالكل يعلمها ويحفظها عن ظهر قلب؛ لكن الكثير لا يستطيعون مع ذلك استثمار هذا الوقت وإيقاف نزيفه.. والسبب الرئيسي في ذلك أننا نتعامل مع الوقت كفكرة وليس كمادة ملموسة يمكن الإحساس بها بشكل مباشر..


وأعتقد أن بداية الحل هي أن نعيد إنتاج فكرتنا عن الوقت؛ فنشعر أنه شيء غالٍ ذو قيمة، ويمكن ترجمته بطرق مختلفة إلى شيء عملي أو مادي؛ فقيمة الوقت الذي نمكثه في عملنا هو ما نأخذ عليه أجرًا، وقيمة ما يقضيه أحد الأشخاص معنا (طبيب أو معلم أو محامٍ) -بالإضافة إلى أشياء أخرى- يتم ترجمته إلى مادة، ومدة ما نقضيه في مكان ما كالفنادق والمنتزهات وغيرها يتم ترجمتها إلى نفقات نشعر بها ونبذلها ملموسة نقودًا ومجهودًا.. ولذلك فإن النظر إلى الوقت من هذا المنظور الجديد قد يغير في طريقة حرصنا عليه وتفاعلنا معه، وسنبدأ في البحث عن طرق لتقليل الإهدار الذي يسببه انعدام الكفاءة أو سوء الاختيار أو التخطيط، وكيف نَهَبُ أوقاتنا باختيارنا وليس ونحن مجبرون، وكيف نمنع الآخرين أن يسلبونا إياه كما نحمي نقودنا ومدخراتنا.

وحتى نبدأ في طريقة عملية للتعامل مع الوقت واستثماره على أفضل وجه؛ علينا اتباع الآتي:


أولاً: التخطيط وتحديد الأولويات
كل شيء كي ينجح ويأخذ طريقًا صحيحًا يجب أن يتم في خطة عمل حتى ولو بسيطة، وعلى المرء قبل أن يضع خطة عمله في أي شيء أن يراعي أولوياته؛ ويبدأ بالحد الأدنى لساعات نومه والحد الأدنى لعلاقاته الإنسانية الأسرية إن كان متزوجًا، والخاصة به كي يستعيد نشاطه مجددًا.


وبعد مراعاة هذه الأولويات، يجب أن تقسم أهدافك التي تطمح في تحقيقها إلى أولويات كذلك؛ بحيث ترتبها في قائمة أعمالك حسب أهميتها بالنسبة لك.. عليك أن تسأل نفسك دومًا، ماذا أريد أن أحقق في حياتي؟ كيف سأكون بعد سنة أو سنتين؟ ماذا سأفعل غدًا؟ كيف سأستعد لكذا؟


ثانيًا: جداول زمنية
أعتقد أن من أتعس البشر هو من لا يدري ماذا سيفعل في اليوم التالي؛ لأن الإنسان الطبيعي الناجح هو من تكون لديه خطط ليومه، ولليوم التالي، وحتى سنة أو سنتين من عمره؛ وهذا ما جاء الحث عليه في الأثر: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لأُخراك كأنك تموت غدًا"؛ وهذا يعني أن المسلم الصحيح هو من لا ينسى الدنيا في إطار العبادة والفعل للآخرة؛ بل إن المسلم المثالي هو من يستطيع تحقيق التوازن بين النظرة إلى الدنيا كأنها دار زوال، وبين نظرته إليها على أنها دار بقاء وخلود فيخطط لحياته كما لو كان لن يموت أبدًا.


لذلك عليك عزيزي القارئ أن يكون لك قائمة بما هو مطلوب منك في يومك، وأخرى بما تنوي فعله غدًا، وثالثة بما تود تنفيذه خلال هذا الأسبوع، وبما يجب أن تنجره هذا الشهر، وما هي الصورة التي تريد أن تكون عليها بعد سنة.. ومن ثم تضع مدة محددة لكل مهمة عليك القيام بها.


ثالثًا: طريقة التنفيذ
لا يكفي أن نحدد فقط ما نودّ فعله أو ما نتمناه أو نطمح له ونحدد ما يحتاجه من وقت؛ بل علينا بعد كل ذلك أن نحدد خطة التنفيذ؛ فالعمل الأسبوعي الذي تودّ إنجازه وحددت له 20 ساعة لا يصح أن تراكمه على نفسك في يوم واحد، ولا أن تنتظر آخر يوم في الأسبوع لتقوم به؛ بل يجب أن توزع -من خلال خطة التنفيذ- دورك في كل يوم، حتى لو كان مجرد التفكير في شيء ما؛ فلا تتركه في وقت يأتي اعتباطًا؛ بل خصص لكل شيء وقته؛ فذلك أدعى لاحترام الخطوات التنفيذية التي كلما أخذت وقتها جنيت أنت ثمرتها العظيمة مستقبلاً.


رابعًا: ضع وقتك أمام عينيك
علينا أن ندرك أن أفكارنا معرضة للضياع والسرقة، والنسيان والتناسي، والتجاوز من جهتنا أو من جهة بعض الأشخاص إذا لم نحسن تقييدها، ومبادئ تقييد الأفكار والخطط والأوقات تكون بالكتابة.. اكتب كل شيء عن وقتك وخطتك الحالية والمستقبلية، وليس بالضرورة الكتابة التفصيلية؛ بل كتابة تعرف بها مسارك.


يجب أن يكون أمامك باستمرار جدولك اليومي أو الأسبوعي الذي يحدد لك خصوصيات كل يوم، وكل مرحلة من اليوم، والوقت المخصص لساعات الراحة والعمل.. وأن يكون بحوزتك خطتك الشهرية والسنوية التي تعتزم القيام بها، وحبذا لو علقتها في مكان بارز لك، أو وضعتها في حقيبتك أو محفظتك.


وعليك أن تختار لذلك وسيلتك التي ستنظم وقتك بها؛ فقد تناسبك المفكرات أو البطاقات أو الجداول الإلكترونية على حاسوبك.

ابني طموحك واسعى للنجاح

كان هناك شخصان جمعتهما قيود الرق والعبودية الأول كان اسمه كافور والثاني لم نعرف اسمه!!

وفي إحدى الأمسيات جلسا ليتسامرا؛ لعل الكلام يهون عليهما آلام الذل ومشقة السخرة وعذاب الرقّ، وكان موضوع حديثهما ماذا يتمنى كل منهما لنفسه، فقال الرجل الذي لا نعرف اسمه: أتمنى أن أعمل طاهيا.

يا له من رجل حصيف رأى في أمنيته نهاية لجوعه وحرمانه من الطعام الذي عانى منه طويلًا، أما العبد الآخر المسمى كافور فقد قال: أما أنا فأتمنى أن أحكم هذه البلاد.. ماذا قال؟!

"يا له من عبد مجنون لعبت برأسه الهواجس".. أظن أن هذا ما علّق به القراء على أمنية الرجل!

وتمر الأيام وتفرّق الحوادث بين رفيقي العبودية؛ ليمضي كل منهما في طريقه، وبعد سنوات طويلة من الكفاح والجد والاجتهاد تغيّرت الأوضاع، وارتفع شأن من كان خفيض الجناح، وبات الذليل عزيزا، ونجح صاحب الطموح بعيد المنال ليصبح أحد أشهر من قادوا مصر عبر التاريخ.. إنه كافور الإخشيدي.

لقاء الرفيقين
وبعد أن أصبح كافور سلطانا على مصر خرج في واحدة من جولاته ومعه حاشيته؛ لتفقد أحوال الرعية، وكانت المفاجأة عندما قابل زميله القديم في العبودية ورفيقه في أيام البؤس والشقاء، وبعد السلام والتحيات سأله عن حاله وما وصل إليه فأخبره الرجل إنه بعدما افترقا وبعد سنوات من التعب والمعاناة عمل طباخا ولا زال موجودا في المطبخ إلي الآن.

فنظر الإخشيدي إلى من معه من رجال وقال: "لقد علت بي همتي فصرت كما ترون.. وقد حطت به همته فصار كما ترون، ولو جمعتنا همة واحدة لجمعتنا درجة واحدة".

فهل عرفت الآن لماذا لم يصل إلينا اسم هذا الطاهي؟

لأن التاريخ لا يتذكر إلا المؤثرين فقط، وقصة كافور الإخشيدي تنبؤنا أن للطموح والهمة العليا فعل السحر في مساعدة المجتهد على الوصول لأهدافه.

وما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع هو ما لمسته من خلال المحاضرات والندوات التي التقيت فيها مع نوعيات مختلفة من الناس؛ فالأكثرية باتت تخشى بشدة أن تترك العنان لطموحاتها وكأنها حية رقطاء تخاف على نفسها من لدغتها، ولو سألت أحدهم: لماذا لا ترتقي بطموحك لتعلو معه همتك؟! لأجابك متفلسفا: لا داعي لأن نضحك على أنفسنا، أو يقول لنكن واقعيين أنا الآن مفلس، أو قليل العلم، أو قدراتي محدودة، ومن سبقونا قالوا على قدر طول غطائك مدّ قدميك.. إذن يجب أن يكون طموحي متناسبا مع وضعي الحالي.. ومن ينظر إلي أعلى سيتعب!!

ابني طموحك من جديد
وهكذا يسترسل في سرد كل ما سمعه من الأمثلة الشعبية التي تدعو للتخاذل والانهزامية، ولعمري فهذا الشخص وأمثاله اختاروا بإرادتهم أن يمنعوا أنفسهم عن النجاح، فلو كان كل آمل في التغيير قد بنى طموحه على واقعه ما كان لأحد أن يحقق أي شيء.

فلا تستمع لهم وعليك بثلاث خطوات:



أولًا: اجعل طموحك فرضًا أساسيًا عليك لا يمكنك أن تكمل حياتك بدونه.

ثانيًا: اترك لطموحك العنان ولا تربطه بالحاضر الذي تعيشه، ولكن فكر فيما تستطيع تحقيقه في المستقبل.

ثالثًا: لا تنسَ أن ترفع من مستوى أي هدف تختاره إلى آخِر مدى تراه؛ فالطموح هو الأجنحة التي ستطير بك إلى واقع جديد، فلا تخشَه وتنزع ريش أجنحتك بيديك، وتصبح طائرا بلا أجنحة يمشي -وربما يحبو- وسط الحفر والصعوبات.