Friday, September 11, 2009

ليلة القدر

إن الحمد لله نحمده…

يقول الله تعالى: : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ

إنها الليلة الموعودة المشهودة التي ينتظرها الوجود كله في فرح وغبطة وابتهال.

ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى.

ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

ليلةُ ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعا، العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري)إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (.

والنصوص القرآنية التي تحدثنا عن ليلة تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود، نور الله المشرق في قرآنه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.

ونورُ الملائكة والروحُ وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ والأعلى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ..

ثم نور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقا مع نور الوحي ونور الملائكة، وروح السلام المرفرف على الوجود وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود: سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.

هي ليلة تلتقي فيها الملائك مع المعتكفين في المساجد حين تتنزل بالرحمة ومن صافحه جبريل رق قلبه وسال دمعه أخرج البيهقي في شعب الإيمان (عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من فطر صائماً في رمضان من كسب حلال صلت عليه الملائكة لياليَ رمضانَ كلَها وصافحه جبريل عليه السلام ليلةَ الفطر، و من صافحه جبريل تكثر دموعه ويرق قلبه " [1].

في ليلة القدر تتنزل الملائكة في موكب نوراني يقودهم جبريل عليه السلام، فينزلون إلى الأرض ويؤمنون على دعاء الناس، إلى وقت طلوع الفجر، " وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم " أي جبريل عليه السلام.

ويحملون في نزولهم الرحمة ينزل بها جبريل عليه السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهل المساجد

وقال الشعبي: في تفسير قوله تعالى(سلام هي) هو تسليم الملائكة على أهل المساجد، من حين تغيبُ الشمسُ إلى أن يطلعَ الفجرُ، يمرون على كل مؤمن، ويقولون: السلام عليك أيها المؤمن [2].

والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان: . إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ {3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ {4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ {5} رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ. السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(الدخان: الآية6).

والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان، كما ورد في سورة البقرة: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

وقد ورد في تعيين هذه الليلة آثار كثيرة، بعضها يعين الليلة السابعة والعشرين من رمضان، وبعضها يعين الليلة الواحدة والعشرين، وبعضها يعينها ليلة من الليالي العشر الأخيرة، وبعضها يطلقها في رمضان كله، فهي ليلة من ليالي رمضان على كل حال في أرجح الآثار.

واسمها: ليلة القدر، قد يكون معناه التقدير والتدبير، وقد يكون معناه القيمة والمقام.

وكلاهما يتفق مع ذلك الحدث الكوني العظيم حدث القرآن والوحي والرسالة.. وليس أعظم منه ولا أقوم في أحداث هذا الوجود، وليس أدل منه كذلك على التقدير والتدبير في حياة العبيد.

عن مُعَاوِيَةَ بنِ أبي سُفْيَانَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، في لَيْلَةِ الْقَدْرِ قال: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ " [3].

وقال أبو بكر الوراق: إن الله تعالى قسم الليالي هذا الشهر- شهر رمضان- على كلمات هذه السورة، فلما بلغ السابعة والعشرين أشار إليها فقال: هي.

وأيضاً فإن ليلة القدر كرر ذكرها ثلاث مرات، وهى تسعة أحرف، فتجيء سبعاً وعشرين.

ومن شرفها وفضلها أن قيامها سبب لمغفرة الذنوب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " [4].

فهي فرصة من جود الكريم لنتدارك ما فاتنا عسى الله أن يغفر لنا

يَقولون أَبواب السَماء جميعها ستفتح للإِنسان في لَيلة القدرِ

فَقلت لهم ماذا سينفع فتحها إذا لَم يَكن فيها الولوج بذي يسرِ

فاحرص على أن تشغل نفسك في الدعاء والإنابة في هذه الليلة المباركة. والسلام عليكم.

No comments: